فصل: باب بيع القاضي والمولى العبد المأذون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.باب بيع القاضي والمولى العبد المأذون:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَإِذَا دَفَعَ الْغُرَمَاءُ الْمَأْذُونَ إلَى الْقَاضِي وَأَرَادُوا بَيْعَهُ فِي دُيُونِهِمْ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَتَأَنَّى فِي ذَلِكَ وَيَنْظُرُ هَلْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ يَرْجُو وُصُولَهُ؛ لِأَنَّ الْبَدَاءَةَ فِي قَضَاءِ دَيْنِ الْعَبْدِ مِنْ كَسْبِهِ وَهُوَ الْحَاصِلُ بِتِجَارَتِهِ كَمَا أَنَّ وُجُوبَ الدَّيْنِ بِتِجَارَتِهِ، وَمَقْصُودُ الْمَوْلَى اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ فَلَا يَجُوزُ تَفْوِيتُ هَذَا الْمَقْصُودِ عَلَيْهِ بِدُونِ الْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ هَهُنَا إلَى قَضَاءِ دَيْنِ الْغُرَمَاءِ وَالْمَالِ الْحَاضِرِ أَوْ الْغَائِبِ الَّذِي يُرْجَى وُصُولُهُ عَاجِلًا، وَلَوْ انْتَظَرَ الْقَاضِي وُصُولَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَثِيرُ ضَرَرٍ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ فَلِهَذَا يَتَأَنَّى الْقَاضِي كَمَا يَتَأَنَّى فِي الْقَضَاءِ بِقِيمَةِ الْمَغْصُوبِ بَعْدَمَا أَبَقَ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَاعَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى ضَمِنَ لِلْغُرَمَاءِ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إيفَائِهِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ أَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ أَوْ غَائِبٌ لَا يُرْجَى وُصُولُهُ؛ لِأَنَّ فِي انْتِظَارِ ذَلِكَ تَأَخُّرَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَضَرَرُ التَّأْخِيرِ كَضَرَرِ الْإِبْطَالِ مِنْ وَجْهٍ، ثُمَّ لَا يَبِيعُهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِهِ قَضَاءً عَلَى الْمَوْلَى بِاسْتِحْقَاقِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَإِزَالَةِ مِلْكِهِ وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّ لِلْمَوْلَى حَقَّ اسْتِخْلَاصِ- الرَّقَبَةِ لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَقَّ بِبَيْعِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ فَإِذَا بَاعَهُ ضَرَبَ كُلُّ غَرِيمٍ فِي الثَّمَنِ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ وَإِذَا قَسَّمَ الثَّمَنَ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يُعْتَقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْقِ لِقَضَاءِ حَقِّهِمْ مَحَلًّا فِي حَالِ رِقِّهِ وَكَسْبُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ مِلْكُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَرْضَ بِصَرْفِهِ إلَى دُيُونِهِ.
وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَاهُ مَوْلَاهُ الَّذِي بَاعَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُتَّبَعْ بِشَيْءٍ بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَجَدَّدَ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ بِتَجَدُّدِ سَبَبِهِ فَهُوَ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ هَذَا الْمَوْلَى بَعْدَ مَا اشْتَرَاهُ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ فَبِيعَ لِغُرَمَائِهِ لَمْ يُشَارِكْ الْأَوَّلُونَ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِمْ الْآخَرِينَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ قَدْ اسْتَوْفُوا مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ مَرَّةً فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ فِي هَذَا الْمِلْكِ الْمُتَجَدِّدِ كَعَبْدٍ آخَرَ فَالْمَوْلَى بِالْإِذْنِ إنَّمَا رَضِيَ بِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآخَرِينَ بِمِلْكِهِ؛ فَلِهَذَا يُبَاعُ لَهُمْ وَلَا سَبِيلَ لِلْأَوَّلِينَ عَلَى الثَّمَنِ حَتَّى يُعْتَقَ فَإِذَا عَتَقَ بِيعَ بِجَمِيعِ دُيُونِهِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ كُلَّهَا ثَابِتَةٌ فِي ذِمَّتِهِ وَالذِّمَّةُ بِالْعِتْقِ تَزْدَادُ قُوَّةً فَيُؤْمَرُ بِقَضَائِهَا مِنْ كَسْبٍ هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ.
وَإِذَا بَاعَهُ الْمَوْلَى بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي وَالْغُرَمَاءِ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ يَتَعَلَّقُ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى فَكَانَ الْمَوْلَى فِي بَيْعِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ بِمَنْزِلَةِ الرَّاهِنِ يَبِيعُ الْمَرْهُونَ وَهَذَا لِأَنَّ لِلْغُرَمَاءِ حَقَّ اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ فِي دَيْنِهِمْ فَرُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ أَنْفَعَ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَتَوَصَّلُونَ بِهِ إلَى جَمِيعِ دَيْنِهِمْ فَلَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى أَنْ يُبْطِلَ عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَقَّ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ فَإِنْ أَجَازُوا الْبَيْعَ أَوْ قَضَاهُمْ الْمَوْلَى الدَّيْنَ أَوْ كَانَ فِي الثَّمَنِ وَفَاءٌ بِدَيْنِهِمْ فَأَعْطَاهُمْ نَفَذَ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِوُصُولِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ إلَيْهِمْ كَالرَّاهِنِ إذَا قَضَى دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْغُرَمَاءَ وَجَدُوا الْمُشْتَرِيَ وَالْعَبْدَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَجِدُوا الْبَائِعَ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي خَصْمًا لَهُمْ فِي نَقْضِ الْبَيْعِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ خَصْمٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي مَالِكُ الرَّقَبَةِ وَهُمْ يَدَّعُونَ اسْتِحْقَاقَ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ فَكَانَ هُوَ خَصْمًا لَهُ كَمَا لَوْ ادَّعَوْا مِلْكَ الْعَبْدِ لِأَنْفُسِهِمْ، وَهُمَا يَقُولَانِ الْغُرَمَاءُ لَا يَدَّعُونَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا فِي مِلْكِهِ حَقًّا؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْبَائِعِ فِي إثْبَاتِ حَقِّهِمْ عَلَيْهِ وَنَقْضُ الْبَيْعِ يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْبَيْعَ يُحَوِّلُ حَقَّ الْغُرَمَاءِ فِي مَالِيَّةِ- الرَّقَبَةِ إلَى الثَّمَنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَهُ الْقَاضِي أَوْ الْمَوْلَى فَأَجَازَهُ الْغُرَمَاءُ كَانَ حَقُّهُمْ فِي الثَّمَنِ لَا فِي مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَبَعْدَ مَا صَارَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي لَا طَرِيقَ لِإِثْبَاتِ حَقِّهِمْ فِي مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ سِوَى نَقْضِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا جَرَى الْبَيْعُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْبَائِعِ وَبِدُونِ نَقْضِ الْبَيْعِ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَوْا مِلْكَ الْعَبْدِ لِأَنْفُسِهِمْ فَهُنَاكَ إنَّمَا يَدَّعُونَ عَيْنَ مَا يَزْعُمُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مِلْكُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الشُّفْعَةِ.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي لَا يَسْقُطُ عَنْ الْعَبْدِ مَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ الثَّمَنُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْبَائِعِ فَيُنْتَظَرُ حُضُورُهُ لِيَأْخُذَ الْغُرَمَاءُ الْعَبْدَ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، وَلَوْ حَضَرَ الْبَائِعُ وَغَابَ الْمُشْتَرِي وَقَدْ قَبَضَ الْعَبْدَ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْغُرَمَاءِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَالْيَدَ لِلْمُشْتَرِي وَإِبْطَالُ ذَلِكَ بِدُونِ حُضُورِهِ لَا يُمْكِنُ فَمَا لَمْ يَبْطُلْ مِلْكُ الْمُشْتَرِي لَا تَكُونُ الرَّقَبَةُ مَحَلًّا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ إلَّا أَنَّ لَهُمْ أَنْ يُضَمِّنُوا الْبَائِعَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ صَارَ مُفَوِّتًا مَحَلَّ حَقِّهِمْ فَإِذَا ضَمَّنُوهُ الْقِيمَةَ جَازَ الْبَيْعُ فِيهِ وَكَانَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ الْخَصْمُ فِي ذَلِكَ وَبِتَضْمِينِ الْقِيمَةِ يَسْقُطُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ عَنْ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ فِيهِ وَإِنْ أَجَازُوا الْبَيْعَ وَأَخَذُوا الثَّمَنَ وَاقْتَسَمُوهُ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ.
فَإِنْ هَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْغُرَمَاءِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُمْ عَلَى الْمَبِيعِ حَتَّى يُعْتَقَ لِفَوَاتِ مَحَلِّ حَقِّهِمْ وَهُوَ الثَّمَنُ فَالْمَوْلَى بِإِجَازَتِهِمْ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ جَانِيًا ضَامِنًا لَهُمْ، وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَتَتَأَخَّرُ دُيُونُهُمْ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْغُرَمَاءِ أَنَّهُمْ فِي حُكْمِ الْقَابِضِ لَهُ حَتَّى يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِمْ بِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَالْمَوْلَى فِي الْبَيْعِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِهِ؛ وَلِهَذَا إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ اتَّبَعَهُ الْغُرَمَاءُ بِجَمِيعِ دَيْنِهِمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَجَازُوا الْبَيْعَ بَعْدَ مَا هَلَكَ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَعْقُودٌ بِهِ وَمَحَلُّ الْعَقْدِ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَإِذًا كَانَ بَاقِيًا بَعْدَ الْبَيْعِ بِالْإِجَازَةِ ثُمَّ الْإِجَازَةُ فِي الِانْتِهَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّهُ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ إجَازَتِهِمْ الْبَيْعَ أَوْ بَعْدَهَا فَكَذَّبُوهُ فِي الْقَبْضِ فَقَدْ أَجَازُوا الْبَيْعَ قَبْلَ إقْرَارِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِإِجَازَتِهِمْ صَارَ أَمِينًا كَمَا يَصِيرُ أَمِينًا فِي الثَّمَنِ بِإِذْنِهِمْ فِي الْبَيْعِ فِي الِابْتِدَاءِ وَحَقُّ قَبْضِ الثَّمَنِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ سَبَبَهُ فَيَكُونُ مَقْبُولَ الْقَوْلِ فِيهِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا شَيْءَ لِلْغُرَمَاءِ حَتَّى يُعْتَقَ الْعَبْدُ فَإِذَا عَتَقَ اتَّبَعُوهُ بِجَمِيعِ دَيْنِهِمْ، وَلَوْ اخْتَارَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ الْقِيمَةَ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ الثَّمَنَ كَانَ لِلَّذِينَ اخْتَارُوا ضَمَانَ الْقِيمَةِ حِصَّتُهُمْ مِنْ الْقِيمَةِ وَلِلَّذِينَ اخْتَارُوا الثَّمَنَ حِصَّتُهُمْ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ رَأْيًا وَاسْتِحْقَاقُ الْقِيمَةِ وَالثَّمَنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْمَوْلَى وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحَلُّ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّةٌ مِمَّا اخْتَارَ وَفِيمَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ مِمَّا ضَمِنَ مِنْ الْقِيمَةِ، وَلَوْ أَجَازَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ الْبَيْعَ وَأَبْطَلَهُ بَعْضُهُمْ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ سَبَبٌ تَامٌّ لِلْمَنْعِ مِنْ نُفُوذِ الْبَيْعِ.
وَلَوْ بَاعَ الْقَاضِي الْمَأْذُونَ لِلْغُرَمَاءِ فِي دَيْنِهِمْ أَوْ بَاعَهُ أَمِينَهُ فَضَاعَ الثَّمَنُ فِي يَدِ الْأَمِينِ الَّذِي بَاعَهُ، ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَرَدَّهُ عَلَى الْأَمِينِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ الْأَمِينَ بِأَنْ يَبِيعَهُ مَرَّةً أُخْرَى وَيُبَيِّنَ عَيْبَهُ أَمَّا لَا خُصُومَةَ بَيْنَ الْأَمِينِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ ذَلِكَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي فَلَا تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ ذَلِكَ الْأَمِينَ أَوْ غَيْرَهُ بِأَنْ يُخَاصِمَ الْمُشْتَرِيَ نَظَرًا مِنْهُ لِلْمُشْتَرِي فَإِذَا رَدَّهُ بِالْعَيْبِ أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ مَعَ بَيَانِ عَيْبِهِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إيفَاءِ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ وَطَرِيقُهُ بَيْعُ الرَّقَبَةِ وَإِنَّمَا يُبَيِّنُ عَيْبَهُ لِكَيْ لَا يُرَدَّ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى فَإِذَا أَخَذَ الثَّمَنَ بَدَأَ بِالْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَأَوْفَاهُ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الثَّانِيَ بَدَلُ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَالثَّمَنَ الْمَقْبُوضُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بَدَلُ مَالِيَّةِ- الرَّقَبَةِ أَيْضًا فَكَانَ هُوَ مُقَدَّمًا فِيهِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الْآخَرُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَالْفَضْلُ لِلْغُرَمَاءِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ غَرِمَ الْغُرَمَاءُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ تَمَامَ حَقِّهِ وَلَا غُرْمَ عَلَى الْأَمِينِ فِي ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْعُهْدَةِ وَلَكِنَّ بَيْعَهُ كَانَ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ لِمَنْفَعَتِهِمْ فَمَا يَلْحَقُ مِنْ الْعُهْدَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ الْفَضْلُ لَهُمْ فَكَذَلِكَ النُّقْصَانُ يَكُونُ عَلَيْهِمْ فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي بَاعَهُ لِلْغُرَمَاءِ بِأَمْرِهِمْ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَضَاعَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إبَاءِ يَمِينٍ أَوْ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُهُ وَيُوفِي الْمُشْتَرِيَ ثَمَنَهُ؛ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ نَقَصَ عَنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ غَرِمَ الْبَائِعُ نُقْصَانَهُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ فَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الرَّدِّ يَكُونُ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ بَاعَهُ لِمَنْفَعَةِ الْغُرَمَاءِ فَيَكُونُ إقْرَارُ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِمْ؛ فَلِهَذَا رَجَعَ هُوَ بِمَا لَحِقَهُ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَلَوْ كَانَ رَدَّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِيعَ الْعَبْدُ- وَدَفَعَ ثَمَنَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ نَقَصَ عَنْهُ ضَمِنَ الْبَائِعُ النُّقْصَانَ وَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ بِالْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِمَا غَرِمَ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِتَصْدِيقِ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ يَسْتَحْلِفُ الْغُرَمَاءَ عَلَى عِلْمِهِمْ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِمْ مَا لَوْ أَقَرُّوا بِهِ لَزِمَهُمْ.
وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ حِينَ رَدَّ عَلَى أَمِينِ الْقَاضِي أَوْ الْمَوْلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ الْبَيْعُ الثَّانِي رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْغُرَمَاءِ إنْ كَانَ أَمِينُ الْقَاضِي بَاعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَمِينِ فِيهِ وَلَا عُهْدَةَ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الْبَائِعَ ضَمِنَ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ لِمَنْفَعَتِهِمْ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي رَدَّهُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَلَا يَرْجِعُ حِينَئِذٍ بِالثَّمَنِ عَلَى الْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الْعَيْبِ أَوْ يَأْبَى الْيَمِينَ وَصَارَ جَمِيعُ الثَّمَنِ فِي هَذَا الْفَصْلِ كَالنُّقْصَانِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ أَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي أَوْ الْمَوْلَى الْبَائِعَ قَبِلَ الْعَبْدَ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَمَاتَ فِي يَدِهِ غَرِمَ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي وَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ إنْ كَانَ الْعَيْبُ يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَوْ لَا يَحْدُثُ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ شِرَائِهِ ابْتِدَاءً فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ؛ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَمُتْ الْعَبْدُ فَهُوَ لَازِمٌ لِلْمَرْدُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادَ الْغُرَمَاءُ بَيْعَهُ وَفِيهِ فَضْلٌ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ.
وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي بِعَيْنِهِ فَالْغُرَمَاءُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُشْتَرِيَ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَإِنْ شَاءُوا الْبَائِعَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَانٍ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ وَالْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ فَإِنْ ضَمَّنُوا الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ اسْتِرْدَادَ الْقِيمَةِ مِنْهُ كَاسْتِرْدَادِ الْعَبْدِ إنْ لَوْ ظَفِرُوا بِهِ وَلَمْ يُسَلَّمْ الْعَبْدُ لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّاهُ إلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ ضَمَّنُوا الْبَائِعَ قِيمَتَهُ سُلِّمَ الْمَبِيعُ فِيمَا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَأَيَّهُمَا اخْتَارَ الْغُرَمَاءُ ضَمَانَهُ بَرِئَ الْآخَرُ حَتَّى لَوْ تَوَتْ الْقِيمَةُ عَلَى الَّذِي اخْتَارَهُ لَمْ يَرْجِعُوا عَلَى الْآخِرِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ قِبَلَ أَحَدِهِمَا وَكَانَ الْخِيَارُ إلَيْهِمْ فِي التَّعْيِينِ وَالْمُخَيَّرُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِنْ ظَهَرَ الْعَبْدُ بَعْدَ مَا اخْتَارُوا ضَمَانَ أَحَدِهِمَا فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا قَضَى لَهُمْ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى الَّذِي اخْتَارُوا ضَمَانَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ تَحَوَّلَ حَقُّهُمْ إلَى الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ قَضَى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ ادَّعَى الْغُرَمَاءُ أَكْثَرَ مِنْهُ فَهُمْ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا رَضُوا بِالْقِيمَةِ وَإِنْ شَاءُوا رَدُّوهَا وَأَخَذُوا الْعَبْدَ فَبِيعَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ كَمَالُ حَقِّهِمْ بِزَعْمِهِمْ وَهُوَ نَظِيرُ الْمَغْصُوبِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْغَصْبِ.
وَإِنْ اخْتَارُوا الْبَائِعَ فَضَمَّنُوهُ قِيمَتَهُ فَاقْتَسَمُوهَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ ظَهَرَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ كَانَ الْعَبْدُ لَهُ- وَسُلِّمَتْ الْقِيمَةُ إلَى الْغُرَمَاءِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَدَّ مِنْ الْغُرَمَاءِ مَا أَعْطَاهُمْ وَبِيعَ الْعَبْدُ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ- بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَعَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْمَوْلَى وَالْغُرَمَاءُ ضَمَّنُوهُ الْقِيمَةَ عَلَى صِفَةِ السَّلَامَةِ عَنْ الْعَيْبِ فَإِذَا ظَهَرَ الْعَيْبُ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ فَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَاسْتَرَدَّ مِنْهُمْ مَا أَعْطَاهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ مَعَ بَائِعِهِ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ فَإِنْ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ عَادَ حَقُّهُمْ فِي الْعَبْدِ كَمَا كَانَ فَيُبَاعُ فِي دَيْنِهِمْ.
وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ، ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ الْعَيْبِ فَإِنْ كَانَ الْغُرَمَاءُ ضَمَّنُوهُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْقِيمَةَ وَيُسَلِّمَ لَهُمْ الْعَبْدَ فَيُبَاعَ فِي دَيْنِهِمْ وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ لَهُمْ وَأَمْسَكَ الْعَبْدَ وَإِنْ ضَمَّنُوهُ قِيمَتَهُ وَبِهِ الْعَيْبُ سَلَّمَ الْعَبْدَ لِلْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ مُنْدَفِعٌ عَنْ الْمَوْلَى وَقَدْ كَانَ عَالِمًا بِالْعَيْبِ فَانْدَفَعَ بِهِ ضَرَرُ جَهْلِهِ وَإِنَّمَا ضَمِنَ لَهُمْ الْقِيمَةَ مَعِيبًا؛ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَانُوا ضَمَّنُوا الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ وَاقْتَسَمُوهَا بَيْنَهُمْ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، ثُمَّ ظَهَرَ الْعَبْدُ فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا رَدَّهُ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَهُ مِنْ جِهَتِهِمْ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ وَالْبَيْعُ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْلَى قَدْ انْفَسَخَ وَإِنَّمَا ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مَعِيبًا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ وَأَخَذَ الْقِيمَةَ مِنْهُمْ، ثُمَّ يُبَاعُ لَهُمْ.
وَإِنْ كَانُوا ضَمَّنُوا الْبَائِعَ الْقِيمَةَ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَيْبًا فَرَدَّهُ الْقَاضِي عَلَى الْبَائِعِ بِإِقْرَارِهِ وَالْعَيْبُ مِمَّا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَلَا سَبِيلَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْغُرَمَاءِ فِي الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَيْبِ أَوْ يَأْبَوْا الْيَمِينَ وَإِنْ رَدَّهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَالْعَيْبُ مِمَّا يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَوْ لَا يَحْدُثُ فَلَا سَبِيلَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْغُرَمَاءِ فِي الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ الْمُسْتَقْبَلِ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الشِّرَاءُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْعَبْدِ فَرَدَّهُ بِالْخِيَارِ بَعْدَ مَا ضَمَّنَ الْغُرَمَاءُ الْبَائِعَ الْقِيمَةَ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمْشْتَرِيَ إنَّمَا رَدَّهُ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ عَامِلٍ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَرْسَلَ رَسُولًا فَقَبَضَ الْعَبْدَ مِنْ الْبَائِعِ وَلَمْ يَرُدَّهُ فَضَمَّنَ الْغُرَمَاءُ الْبَائِعُ الْقِيمَةَ، ثُمَّ رَأَى الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ فَلَمْ يَرْضَهُ فَرَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ بِهِ أَنَّ سَبَبَ- الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ لِلْغُرَمَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا يَوْمئِذٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ وَقَدْ دَفَعَ الْعَبْدَ إلَى الْمُشْتَرِي فَضَمَّنَ الْغُرَمَاءُ الْبَائِعَ الْقِيمَةَ، ثُمَّ اخْتَارَ الْبَائِعُ رَدَّ الْعَيْبِ وَاسْتَوْضَحَ بِالْمَغْصُوبِ قَالَ: (أَلَا تَرَى) أَنَّ لِلْغَاصِبِ لَوْ بَاعَ الْمَغْصُوبَ وَدَفَعَهُ إلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ إنَّ رَبَّ الْعَبْدِ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَقَدْ كَانَ الْغَاصِبُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ فَفَسَخَ الْبَيْعَ أَوْ أَجَازَ سُلِّمَتْ الْقِيمَةُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَكَذَلِكَ مَا سَبَقَ فِي فَصْلِ الْمَأْذُونِ.
وَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى الْمَأْذُونَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْغُرَمَاءِ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ فَعِتْقُهُ مَوْقُوفٌ؛ لِأَنَّ الْمْشْتَرِيَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَا يَتَمَلَّكُ الْعَبْدَ مِلْكًا تَامًّا فَإِنَّ السَّبَبَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ وَبِالسَّبَبِ الْمَوْقُوفِ إنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ الْمَوْقُوفُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِحَسَبِ السَّبَبِ وَالسَّبَبُ الضَّعِيفُ لَا يُوجِبُ حُكْمًا قَوِيًّا وَالْعِتْقُ مَنْهِيٌّ لِلْمِلْكِ فَإِذَا كَانَ مَوْقُوفًا فَمَا يُنْهِيهِ يُوقَفُ بِتَوَقُّفِهِ فَإِذَا تَمَّ الْبَيْعُ بِإِجَازَتِهِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ كَانَ فِي الثَّمَنِ وَفَاءٌ فَأَخَذُوهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ أَبْطَلَهُ الْقَاضِي وَبَاعَ الْعَبْدَ فِي دَيْنِهِمْ نَظَرًا مِنْهُ لِلْغُرَمَاءِ وَعَلَّلَ فَقَالَ: لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ فَاسِدًا لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْإِجَازَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ فَإِنَّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ، ثُمَّ نَفَذَ الْبَيْعُ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعِتْقُ وَهَهُنَا يَنْفُذُ فَعَرَفْنَا أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَاسِدِ فِي الضَّعْفِ لِأَجْلِ التَّوَقُّفِ، وَلَوْ كَانَ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ جَازَ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الضَّعِيفَ بِالْقَبْضِ يَقْوَى كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَهَذَا أَقْوَى مِنْ الْفَاسِدِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْبَيْعَ تَسْلِيطٌ عَلَى التَّصَرُّفِ وَتَمَامُ هَذَا التَّسْلِيطِ بِالتَّسْلِيمِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَدْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ تَمَامِ هَذَا التَّسْلِيطِ وَالْمُسَلِّطُ لَوْ أَعْتَقَهُ بِنَفْسِهِ نَفَذَ عِتْقُهُ وَأَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالتَّسْلِيطُ غَيْرُ تَامٍّ وَلَكِنَّ تَمَامَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَبْضِ فَيَتَوَقَّفُ الْعِتْقُ أَيْضًا وَهُوَ نَظِيرُ الرَّاهِنِ يَبِيعُ الْمَرْهُونَ، ثُمَّ يُعْتِقُهُ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ لَمْ يُعْتِقْهُ الْمُشْتَرِي وَلَكِنَّهُ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ بِبَعْضِ مَا وَصَفْنَا جَازَ مَا فَعَلَ الْمُشْتَرِي فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ الَّذِي كَانَ مَانِعًا مِنْ نُفُوذِهِ قَدْ زَالَ وَهُوَ نَظِيرُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ إذَا تَصَرَّفَ ثُمَّ أَجَازَ الْمُكْرَهُ الْبَيْعَ، وَلَوْ لَمْ يَبِعْهُ الْمَوْلَى وَلَكِنَّهُ وَهَبَهُ لِرَجُلٍ وَسَلَّمَهُ، ثُمَّ ضَمَّنَهُ الْغُرَمَاءُ الْقِيمَةَ نَفَذَتْ الْهِبَةُ فَإِنْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ بِحُكْمٍ أَوْ غَيْرِ حُكْمٍ سُلِّمَ الْعَبْدُ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْقِيمَةِ وَلَا لِلْغُرَمَاءِ عَلَى الْعَبْدِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَحَوَّلَ إلَى الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا يُنْقِصُ مِنْ الْقِيمَةِ الَّتِي غَرِمَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّهُمْ ضَمَّنُوهُ الْقِيمَةَ عَلَى صِفَةِ السَّلَامَةِ وَبِالرُّجُوعِ عَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ فَإِنْ كَانَ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِالْعَيْبِ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ رَجَعَ بِمَا بَيْنَ الْعَيْبِ وَالصِّحَّةِ مِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَصِرْ هُوَ رَاضِيًا فَيَرْجِعُ بِالتَّفَاوُتِ وَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَرُدُّوا الْقِيمَةَ وَيُتَّبَعَ الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الرَّدِّ لِمُرَاعَاةِ حَقِّهِمْ بِسَبَبِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَإِذَا رَضُوا بِهِ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمَوْلَى أَنْ لَا يُطَالِبَهُمْ بِالنُّقْصَانِ وَيَرْضَى بِهِ مَعِيبًا وَإِنْ كَانَ هَذَا فِي جَارِيَةٍ قَدْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَوَجَبَ لَهَا الْعَقْدُ لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ عَلَيْهَا سَبِيلٌ مِنْ أَجْلِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الرَّدَّ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَرَدُّوا نُقْصَانَ الْعَيْبِ مِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَخَذُوا ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِمْ.
وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى بَاعَهُ وَعَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي فَضَمَّنَ الْغُرَمَاءُ الْمَوْلَى، ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْعَبْدِ عَيْبًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَحَدَثَ بِهِ عَيْبٌ آخَرُ فَرَجَعَ بِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ عَلَى الْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِالْقِيمَةِ وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الْقِيمَةِ الَّتِي غَرِمَهَا لِلْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَعِيبًا إلَى قِيمَتِهِ سَلِيمًا أَخَذُوهُ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَعَلَيْهِمْ رَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمَأْذُونِ إلَى أَجَلٍ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ بِأَقَلَّ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ بِسَبَبِ التَّأْجِيلِ يَتَأَخَّرُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ وَامْتِنَاعُ نُفُوذِ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ لِكَوْنِهِ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَحَقُّهُمْ فِي الْمَالِ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ وَبِسَبَبِ التَّأْجِيلِ سَقَطَ هَذَا الْحَقُّ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ فَلِانْعِدَامِ الْمَانِعِ مِنْ نُفُوذِ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى فِيهِ يَنْفُذُ بَيْعُهُ فَإِنْ قِيلَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ كَحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْمَرْهُونِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ الرَّاهِنَ مِنْ الْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا كَحَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي مَالِ الْمُرْتَهِنِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ الْمُبْطِلَ لِحَقِّهِمْ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ هُوَ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي مَالِ الْمَرِيضِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ الْمُبْطِلَ لِحَقِّهِمْ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا فَهَذَا مِثْلُهُ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ فَلِلْمُرْتَهِنِ فِي الْمَرْهُونِ مِلْكُ الْيَدِ، وَذَلِكَ قَائِمٌ مَعَ التَّأْجِيلِ فِي الدَّيْنِ وَبِهِ يَعْجِزُ الرَّاهِنُ عَنْ التَّسْلِيمِ وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ مِلْكُ الْيَدِ فِي الْمَأْذُونِ وَلَا فِي كَسْبِهِ وَإِنَّمَا لَهُمْ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَذَلِكَ يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَتَصَرُّفُ الْمَرِيضِ فِي مَالِهِ نَافِدٌ مَا دَامَ حَيًّا وَبَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَبْقَى الْأَجَلُ؛ وَلِهَذَا لَا يَتَصَرَّفُ الْوَارِثُ فِي تَرِكَتِهِ وَيُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فِي الْحَالِ فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ الْأَجَلُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ الدَّيْنُ الْحَالُّ وَالْمُؤَجَّلُ فِي الْحُكْمِ سَوَاءً وَإِنَّمَا لَمْ يَبْقَ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا صَالِحًا لِوُجُوبِ الدَّيْنِ مِنْهُ.
فَأَمَّا ذِمَّةُ الْعَبْدِ فَمَحَلٌّ صَالِحٌ لِذَلِكَ فَالدَّيْنُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ وَالْأَجَلُ فِيهِ صَحِيحٌ فَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى مَنْعِ الْمَوْلَى مِنْ التَّصَرُّفِ أَوْ مُطَالَبَتِهِ بِشَيْءٍ حَتَّى يَحِلَّ دَيْنُهُمْ فَإِذَا حَلَّ ضَمَّنُوهُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِمْ مَحَلَّ حَقِّهِمْ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى كَالْمُحْتَمِلِ عَنْ الْعَبْدِ لِغُرَمَائِهِ مِقْدَارَ مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ وَالدَّيْنُ إذَا حَلَّ عَلَى الْأَصِيلِ بِمُضِيِّ الْأَجَلِ حَلَّ عَلَى الْكَفِيلِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يُضَمِّنُوهُ قِيمَتَهُ بَعْد حَلِّ الْمَالِ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الثَّمَنِ أَجَازُوا الْبَيْعَ أَوْ لَمْ يُجِيزُوا؛ لِأَنَّهُ كَانَ جَائِزًا بِدُونِ إجَازَتِهِمْ وَكَانَ الثَّمَنُ لِلْمَوْلَى سَالِمًا كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِإِجَازَتِهِمْ وَلِأَنَّ ضَمَانَ الْقِيمَةِ دَيْنٌ لَهُمْ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَيُعْتَبَرُ مَحَلُّ قَضَاءِ الدَّيْنِ إلَى الْمَدْيُونِ فَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى الثَّمَنِ كَمَا لَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى سَائِرِ أَمْلَاكِ الْمَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بَعْدَ حَلِّ الْمَالِ فَأَجَازُوهُ؛ لِأَنَّ نُفُوذَ الْبَيْعِ هُنَاكَ يَكُونُ بِإِجَازَتِهِمْ فَيَتَحَوَّلُ حَقُّهُمْ عَنْ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ إلَى بَدَلِهِ وَهَهُنَا نُفُوذُ الْبَيْعِ كَانَ بِدُونِ إجَازَتِهِمْ وَكَانَ الثَّمَنُ سَالِمًا لِلْمَوْلَى كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ قَبْلَ حُلُولِ الْمَالِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ حَلِّهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَهُ لِرَجُلٍ وَسَلَّمَهُ فَإِنْ تَوِيَ مَا عَلَى الْمَوْلَى مِنْ الْقِيمَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ تَجَدَّدَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْعَبْدِ بِتَجَدُّدِ سَبَبِهِ وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي هَذَا الْمِلْكِ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى نَقْضِ سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بَاشَرَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَقُّ الْمَنْعِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ حَقُّ الْإِبْطَالِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ دَيْنَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ يَتَأَخَّرُ إلَى عِتْقِهِ بِمَنْزِلَةِ مَرِيضٍ وَهَبَ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَثِيرٌ فَبَاعَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ الْأَوَّلُ فَلَا سَبِيلَ لِغُرَمَائِهِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى مَنْ فِي يَدِهِ وَإِنَّمَا لَهُمْ الْقِيمَةُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتْلِفًا مَحَلَّ حَقِّهِمْ بِتَصَرُّفِهِ فَإِنْ تَوَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ سَبِيلٌ.
وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ إذَا كَانَ دَيْنُهُ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ رَقَبَتِهِ وَالْمَنْفَعَةُ تُمَلَّكُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَيْهِ فِي مُطَالَبَتِهِ بِشَيْءٍ فِي الْحَالِ فَيَتَعَذَّرُ عَلَى الْمَوْلَى اسْتِخْدَامُهُ مُرَاعَاةً لِحَقِّهِمْ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُمْ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالِاسْتِسْعَاءِ فِيهِ وَبِاسْتِخْدَامِ الْمَوْلَى إيَّاهُ يَفُوتُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَوْ يَتَمَكَّنُ فِيهِ نُقْصَانٌ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ فِي مُطَالَبَتِهِ بِشَيْءٍ فَكَيْفَ يَثْبُتُ لَهُمْ السَّبِيلُ عَلَى الْمَوْلَى فِي مَنْعِهِ مِنْ السَّفَرِ بِهِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ حَقٍّ ثَابِتٍ لَهُمْ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ بِبَيْعِ الرَّقَبَةِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ، وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ وَيَرْهَنَهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا؛ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ حَلَّ الدَّيْنُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ كَانَ عُذْرًا وَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَنْقُضُوا الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ لَوَازِمِ الْعُقُودِ فَإِنَّهَا تُنْتَقَضُ بِالْعُذْرِ، وَالْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهَا تُنْتَقَضُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُبَاشِرِ لِلْعَقْدِ فَلَأَنْ تُنْقَضَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِ الْمُبَاشِرِ أَوْلَى وَتُنْقَضُ لِلرَّدِّ بِسَبَبِ فَسَادِ الْبَيْعِ وَالرَّدِّ بِسَبَبِ الْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ فَيُنْقَضُ أَيْضًا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِبَيْعِ الرَّقَبَةِ بَعْدَ حَلِّ الْمَالِ.
فَأَمَّا الرَّهْنُ فَهُوَ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ وَلَا يَثْبُتُ لِلْغُرَمَاءِ بَعْدَ حَلِّ الْأَجَلِ نَقْضُ الرَّهْنِ كَمَا لَا يَثْبُتُ لَهُمْ حَقُّ نَقْضِ الْبَيْعِ الَّذِي نَفَذَ مِنْ الْمَوْلَى وَلَكِنَّهُمْ يُضَمِّنُونَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ حَقِّهِمْ فِي الْمُطَالَبَةِ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَبِالْبَيْعِ فَيَضْمَنُ لَهُمْ الْقِيمَةَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِإِبْطَالِ الْمَالِيَّةِ فِيهِ وَبِالْإِعْتَاقِ فَإِذَا أَرَادُوا تَضْمِينَهُ فَافْتَكَّهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِمْ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ وَإِنْ افْتَكَّهُ بَعْدَ مَا قَضَى عَلَيْهِ الْقَاضِي بِضَمَانِ الْقِيمَةِ فَالْقِيمَةُ عَلَيْهِ وَالْعَبْدُ لَهُ وَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَحَوَّلَ- بِقَضَاءِ الْقَاضِي إلَى الْقِيمَةِ وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ لَهُ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْقَضَاءِ فَلَا يَعُودُ حَقُّهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِانْعِدَامِ الْحَيْلُولَةِ بِالْفِكَاكِ كَالْمَغْصُوبِ إذَا عَادَ مِنْ إبَاقِهِ بَعْدَ مَا قَضَى الْقَاضِي عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ، وَلَوْ أَبَى الْمَوْلَى أَنْ يَفْتَكَّهُ فَقَضَى الْغُرَمَاءُ الدَّيْنَ لِيَبِيعُوهُ فِي دَيْنِهِمْ كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَحَقُّهُ يَسْقُطُ بِوُصُولِ دَيْنِهِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا يَقْصِدُونَ بِهَذَا تَخْلِيصَ مَحَلِّ حَقِّهِمْ فَلَا يَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ فَأَمَرَهُ مَوْلَاهُ أَنْ يَكْفُلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ فَقَالَ الْعَبْدُ لِلْمَكْفُولِ لَهُ: إنْ لَمْ يُعْطِك فُلَانٌ مَا لَكَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفٌ فَهُوَ عَلَيَّ فَالضَّمَانُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا كَانَ مَحْجُورًا عَنْ الْكَفَالَةِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا رَضِيَ الْمَوْلَى بِكَفَالَتِهِ كَانَ هُوَ وَالْحُرُّ سَوَاءً، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إنْ مَاتَ فُلَانٌ وَلَمْ يُعْطِكَ هَذَا الْمَالَ الَّذِي لَك عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا قَالَ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ مَعْنَى صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمَوْلَى عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْمَكْفُولَ لَهُ حَقَّهُ فَإِنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ يُضَمِّنُ الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ دَيْنِهِ وَمِنْ قِيمَتِهِ وَلَا يَبْطُلُ بَيْعُ الْمَوْلَى فِي الْعَبْدِ وَلَا هِبَتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عَلَى الْعَبْدِ حِينَ تَصَرَّفَ الْمَوْلَى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى مُطَالَبَتِهِ بِشَيْءٍ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ دُونَهُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْوُجُوبِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ وَإِنْ وَجَدَ سَبَبَهُ وَهُوَ الْكَفَالَةُ، ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَاكَ الْغَرِيمَ لَا يُبْطِلُ تَصَرُّفَ الْمَوْلَى فَهَهُنَا أَوْلَى وَأَمَّا تَضْمِينُ الْمَكْفُولِ لَهُ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ فَلِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ مَحَلَّ حَقِّهِ بِتَصَرُّفِهِ وَقَدْ كَانَ سَبَبُ وُجُوبِ الْمَالِ مُنْعَقِدًا وَإِنْ كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ مُتَأَخِّرَةً فَيَكُونُ الْمَوْلَى ضَامِنًا لَهُ قِيمَتَهُ بِتَفْوِيتِ الْمَالِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي ضَمَانِ الدَّرَكِ لَوْ أَمَرَ عَبْدَهُ أَنْ يَضْمَنَ الدَّرَكَ فِي دَارِ بَاعَهَا الْمَوْلَى، ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى بَاعَهُ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُضَمِّنَ الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الثَّمَنِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ مَحَلَّ حَقِّهِ فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ الْمَوْلَى مِنْ مِلْكِهِ حَتَّى لَحِقَ الْعَبْدَ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْعَبْدَ يَلْزَمُهُ مَا ضَمِنَ مَعَ الدَّيْنِ الَّذِي فِي عُنُقِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الضَّمَانِ لِلدَّرَكِ كَانَ صَحِيحًا لِكَوْنِ الْعَبْدِ فَارِغًا عَنْ حَقِّ الْغُرَمَاءِ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْوُجُوبُ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَيَكُونُ هَذَا دَيْنًا؛ لِأَنَّ مَا عَلَى الْعَبْدِ كَسَائِرِ دُيُونِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ.
وَلَوْ حَفَرَ الْعَبْدُ التَّاجِرُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْمَوْلَى مِنْ مِلْكِهِ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ دَابَّةٌ تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَعَطِبَتْ فَلَا سَبِيلَ لِصَاحِبِهَا عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَخْرَجَهُ الْمَوْلَى مِنْ مِلْكِهِ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مُطَالَبًا بِشَيْءٍ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْعَبْدِ صُنْعٌ هُوَ جِنَايَةٌ فِي الْمِلْكِ الَّذِي تَجَدَّدَ لِلْمُشْتَرِي فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَكِنَّهُ يُضَمِّنُ مَوْلَاهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ وُقُوعِ الدَّابَّةِ فِي الْبِئْرِ يَصِيرُ الْعَبْدُ مُتْلِفًا لَهُ بِالْحَفْرِ السَّابِقِ، وَذَلِكَ الْحَفْرُ جِنَايَةٌ مِنْهُ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ بِهِ صَاحِبُ الدَّابَّةِ مَالِيَّةَ رَقَبَتِهِ لَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ الْمَوْلَى عَنْ مِلْكِهِ فَبِإِخْرَاجِهِ يَكُونُ مُفَوِّتًا عَلَيْهِ مَحَلَّ حَقِّهِ؛ فَلِهَذَا يَضْمَنُ لَهُ الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ فَإِنْ تَوِيَتْ الْقِيمَةُ عَلَيْهِ لَمْ يَتَّبِعْ عَبْدَهُ بِشَيْءٍ حَتَّى يُعْتَقَ فَيُؤْخَذُ بِقِيمَةِ الدَّابَّةِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ وَاجِبًا فِي ذِمَّتِهِ بِاعْتِبَارِ جِنَايَتِهِ وَكَانَ لَا يُطَالِبُ بِهِ لِحَقِّ مَوْلَاهُ الَّذِي حَدَثَ لَهُ فَإِذَا سَقَطَ حَقُّهُ بِالْعِتْقِ كَانَ مُطَالِبًا بِقَضَاءِ دَيْنِهِ.
وَإِذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ التَّاجِرِ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ فَبَاعَهُ مَوْلَاهُ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَوْ رَجَعَ إلَيْهِ بِإِقَالَةٍ أَوْ عَيْبٍ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ حُكْمٍ، ثُمَّ حَلَّ الدَّيْنُ فَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ أَمَّا فِي الشِّرَاءِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ الْمِلْكَ مُتَجَدِّدٌ لَهُ بِتَجَدُّدِ السَّبَبِ، وَكَذَلِكَ فِي الْإِقَالَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ حُكْمٍ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى بَيْعٍ مُتَجَدِّدٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَكَانَ وُجُودُ هَذَا الْعَوْدِ إلَيْهِ كَعَدَمِهِ وَعَوْدُ هَذَا الْعَبْدِ إلَيْهِ كَعَوْدِ عَبْدٍ آخَرَ فَإِنَّ اخْتِلَافَ سَبَبِ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْعَيْنِ؛ فَلِهَذَا ضَمَّنُوا الْمَوْلَى قِيمَتَهُ، وَلَوْ رَجَعَ الْعَبْدُ إلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ أَوْ خِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ، ثُمَّ حَلَّ الدَّيْنُ أَخَذُوا الْعَبْدَ بِهِ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّمَا يَعُودُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ الَّذِي كَانَ مَشْغُولًا بِحَقِّ غُرَمَائِهِ وَيَنْعَدِمُ بِهِ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ عَلَى الْمَوْلَى وَهُوَ تَفْوِيتُ مَحَلِّ حَقِّهِمْ.
وَإِنْ مَاتَ فِي يَدِ الْمَوْلَى بَعْدَ مَا رَجَعَ إلَيْهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ دَيْنُهُمْ، ثُمَّ حَلَّ الدَّيْنُ فَلَا ضَمَانَ لَهُمْ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ حِينَ انْفَسَخَ مِنْ الْأَصْلِ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى الْمَوْلَى ضَمَانٌ إذَا حَلَّ دَيْنُهُمْ، وَكَذَلِكَ الْمَوْلَى لَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ بِحُكْمٍ أَوْ بِغَيْرِ حُكْمٍ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَبْرَأُ مِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ وَإِعَادَةٌ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ عِنْدَنَا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْهِبَةِ فَإِذَا عَادَ مَحَلُّ حَقِّهِمْ صَارَتْ الْإِزَالَةُ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ، وَلَوْ بَاعَهُ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي بَرِئَ الْمَوْلَى مِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ لَا يَتَقَرَّرُ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ عَلَى الْمَوْلَى وَإِنَّمَا يَكُونُ بِالتَّسْلِيمِ، وَلَوْ تَقَرَّرَ السَّبَبُ بِالْبَيْعِ فَبِالْمَوْتِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ مِنْ الْأَصْلِ وَيَعُودُ إلَى مِلْكِ الْمَوْلَى مَشْغُولًا بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ كَمَا كَانَ فَهُوَ كَمَا لَوْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ بِالرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ ثُمَّ مَاتَ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ فَقَدْ حَلَّ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْعَبْدِ وَقَدْ اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ بِمَوْتِهِ وَوُجُوبُ الدَّيْنِ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ وَقَدْ خَرَجَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا صَالِحًا لِوُجُوبِ الدَّيْنِ فِيهِ فَهُوَ وَمَوْتُ الْحُرِّ سَوَاءٌ وَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ إلَى أَجَلِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ كَانَ ثَابِتًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَلَمْ يَقَعْ لَهُ فِيهِ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكَفِيلِ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ الْقِيمَةِ وَالدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إذَا حَلَّ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَوْتِهِ يَبْقَى الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ حَلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجِدْ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ إلَّا إلَى الْأَجَلِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ وَقِيَامِ ذِمَّتِهِ مَحَلًّا صَالِحًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ فِيهَا.
وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْعَبْدِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ أَلْفٌ حَالَّةٌ وَأَلْفٌ إلَى أَجَلٍ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ فَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ أَنْ يَنْقُضَهُ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى دَيْنَهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ فِي حُكْمِ نَقْضِ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى كَالْمَعْدُومِ وَقِيَامُ صَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ كَافٍ فِي نَقْضِ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى فَإِنْ قَضَاهُ جَازَ مَا صَنَعَ الْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ جَمِيعُ حَقِّهِ وَلَا سَبِيلَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْحَالِ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ الْآخَرُ لَمْ يُشَارِكْ الْأَقَلَّ فِيمَا أَخَذَ مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ أَصْلَ الدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَالْمَقْبُوضُ مِنْ مَحَلٍّ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِيهِ وَهُوَ مِلْكُ الْمَوْلَى وَلَكِنَّهُ يَتَّبِعُ الْمَوْلَى بِالْأَقَلِّ مِنْ دَيْنِهِ وَمِنْ جَمِيعِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْآخَرِ سَقَطَ بِوُصُولِ دَيْنِهِ إلَيْهِ وَكَانَ الْمَوْلَى مُتَطَوِّعًا فِيمَا قَضَاهُ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَصَارَ كَانَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا الدَّيْن الْمُؤَجَّلَ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى حَلَّ الدَّيْنُ فَإِنَّ الْعَبْدَ كُلَّهُ يُبَاعُ لِلْغَرِيمِ الْآخَرِ فِي دَيْنِهِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهُ كَانَ ضَامِنًا بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَقْضِ الْمَوْلَى صَاحِبَ الدَّيْنِ الْحَالِّ حَقَّهُ فَنَقَضَ الْبَيْعَ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي بِبَيْعِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُهُ بِمُطَالَبَتِهِ، ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِ نِصْفَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ بِبَيْعِ الْقَاضِي يَتَحَوَّلُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ إلَى الْعَبْدِ مِنْ الثَّمَنِ وَأَصْلُ الِاسْتِحْقَاقِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ ثَابِتٌ وَإِنْ كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ مُتَأَخِّرَةً إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ وَاسْتِحْقَاقُ الثَّمَنِ بِثُبُوتِ حَقِّهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ فَكَانَ ذَلِكَ بَائِعًا سَلَامَةً جَمِيعَ الثَّمَنِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ نِصْفَ الثَّمَنِ وَيَدْفَعُ النِّصْفَ إلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ حَقُّ صَاحِبِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَلَكِنَّ مُطَالَبَتَهُ بِهِ تَتَأَخَّرُ إلَى حُلُولِ الدَّيْنِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ قَبْلَ حُلُولِ الْمَالِ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى رَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ فَكَذَلِكَ عَلَى بَدَلِ الرَّقَبَةِ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ كَانَ الْمَوْلَى أَحَقَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَتَّبِعُ الْقَاضِيَ بِحَلِّ الدَّيْنِ الْآخَرِ عَلَى الْعَبْدِ وَيَكُونُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَتَحَوَّلُ بِبَيْعِ الْقَاضِي إلَى الثَّمَنِ وَالثَّمَنُ عَيْنٌ لَا يَقْبَلُ الْأَجَلَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِ الْحُرِّ وَلَكِنَّا نَقُولُ الدَّيْنُ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ حَتَّى إذَا عَتَقَ كَانَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ إنْ شَاءَ فَيَبْقَى الدَّيْنُ بِبَقَاءِ الْأَجَلِ فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ الْآخَرُ أَعْطَاهُ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ وَإِنْ هَلَكَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمَوْلَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ، وَلَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَوْلَى فِيهِ ضَمَانٌ وَيَتَّبِعُ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْغَرِيمَ الْأَوَّلَ فَيَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ مَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْعَبْدِ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا يُسَلِّمُ لَهُ الْمَقْبُوضَ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْبَاقِي لِلْغَرِيمِ الْآخَرِ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ذَلِكَ؛ فَلِهَذَا يَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ مَا أَخَذَ فَإِنْ لَمْ يَهْلَكْ ذَلِكَ وَلَكِنَّ هَذَا الْغَرِيمَ أَبَرَأَ مِنْ دَيْنِهِ أَوْ وَهَبَهُ فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَأْخُذُ هَذِهِ الْخَمْسَمِائَةِ مِنْ الْمَوْلَى لِتَمَامِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِجَمِيعِ الْعَيْنِ بِدَيْنِهِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ سَلَامَةُ النِّصْفِ لَهُ لِمُزَاحَمَةِ الْآخَرِ وَقَدْ زَالَتْ مُزَاحَمَتُهُ بِالْإِبْرَاءِ وَلِأَنَّ نِصْفَ دَيْنِ الْأَوَّلِ بَاقٍ عَلَى الْعَبْدِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ لِلْمَوْلَى شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ مَعَ قِيَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يُبْرِئْهُ وَلَكِنَّ الْمَوْلَى نَقَدَ غَرِيمًا لَهُ تِلْكَ الْخَمْسَمِائَةِ الَّتِي فِي يَدِهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَتَصَرُّفُهُ فِيهَا قَبْلَ حَلِّ الْأَجَلِ كَتَصَرُّفِهِ فِي الرَّقَبَةِ فَلَا يَمْتَنِعُ نُفُوذُهُ لِحَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَلَكِنْ إذَا حَلَّ دَيْنُهُ ضَمِنَ الْمَوْلَى لَهُ تِلْكَ الْخَمْسَمِائَةِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ مَحَلَّ حَقِّهِ بِتَصَرُّفِهِ فَإِنْ تَوِيَتْ عَلَيْهِ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ فِيمَا قَبَضَ فَيُشَارِكُهُ فِيهِ، ثُمَّ رَجَعَا عَلَى الْغَرِيمِ الَّذِي قَضَاهُ الْمَوْلَى بِالْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي اقْتَضَاهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ حَقُّ الرُّجُوعِ فِي نِصْفِ مَا بَقِيَ فِي يَدِ الْمَوْلَى وَنَقَضَ تَصَرُّفَ الْمَوْلَى فِيهِ، ثُمَّ يُشَارِكُ فِيهِ الْغَرِيمَ الْآخَرَ فَلَا يَزَالُ هَكَذَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى جَمِيعِهِ؛ فَلِهَذَا كَانَ لَهُمَا حَقُّ نَقْضِ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى وَالرُّجُوعِ عَلَى الْقَابِضِ بِالْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي قَبَضَهَا مِنْ الْمَوْلَى وَلَوْ لَمْ يَبِعْ الْقَاضِي الْعَبْدَ لِلْغَرِيمِ وَلَكِنَّ الْمَوْلَى بَاعَهُ بِرِضَى صَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الرَّاضِيَ مُسْقِطٌ حَقَّهُ فِي إبْطَالِ الْبَيْعِ وَلَا حَقَّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فِي إبْطَالِ الْبَيْعِ ثُمَّ يُعْطِي نِصْفَ الثَّمَنِ صَاحِبَ الدَّيْنِ الْحَالِّ وَيُسَلِّمُ لِلْمَوْلَى نِصْفَ الثَّمَنِ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ الْآخَرُ أَخَذَ صَاحِبُهُ مِنْ الْمَوْلَى نِصْفَ الْقِيمَةِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُفَوِّتٌ عَلَيْهِ مَحَلَّ حَقِّهِ وَلَيْسَ بِمُحَوَّلٍ حَقَّهُ إلَى الثَّمَنِ إذْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ تَحْوِيلِ حَقِّهِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ إنَّمَا بَاعَهُ الْقَاضِي وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ تَحْوِيلِ وِلَايَةِ الْحَقِّ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى الثَّمَنِ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْمَوْلَى ضَامِنًا نِصْفَ الْقِيمَةِ لِلثَّانِي هَهُنَا وَمَا قَبَضَ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ فَهُوَ مَالٌ سَالِمٌ لَهُ فَإِنْ تَوِيَ مَا عَلَى الْمَوْلَى مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الَّذِي أَخَذَ نِصْفَ الثَّمَنِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الثَّمَنِ هَهُنَا مَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِي أَصْلِ الدَّيْنِ فَإِنْ قِيلَ لِمَاذَا لَا يَأْخُذُ الْأَوَّلُ جَمِيعَ الثَّمَنِ مِنْ الْمَوْلَى؟ لِمَ لَمْ يَكُنْ لِلثَّانِي شَرِكَةٌ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الثَّمَنِ؟ قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى ضَامِنٌ لِلثَّانِي نِصْفَ الْقِيمَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ- يُسَلِّمَ مَا هُوَ عِوَضٌ مِنْ ذَلِكَ النِّصْفِ مِنْ الثَّمَنِ لِلْمَوْلَى؛ فَلِهَذَا يُعْطِي لِلْأَوَّلِ نِصْفَ الثَّمَنِ وَلَا يَضْمَنُ لِلثَّانِي إلَّا نِصْفَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ نِصْفَ بَدَلِ الْمَالِيَّةِ فَمَنَعَ ذَلِكَ ثُبُوتَ حَقِّ الثَّانِي فِي تَضْمِينِ الْمَوْلَى جَمِيعَ الْقِيمَةِ.
وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دُيُونٌ إلَى آجَالٍ مُخْتَلِفَةٍ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَحُلَّ شَيْءٌ مِنْهَا، ثُمَّ حَلَّ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ تُقَسَّمُ عَلَى الدَّيْنِ مَا حَلَّ مِنْهُ وَمَا لَمْ يَحُلَّ فَمَا أَصَابَ الَّذِي حَلَّ مِنْهَا مِنْ الْقِيمَةِ أَخَذَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ حَلَّ دَيْنُهُ مِنْ غُرَمَائِهِ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَوْلَى ضَامِنٌ قِيمَتَهُ بِتَفْوِيتِهِ مَحَلَّ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّتُهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يُطَالِبُهُ بِهِ إلَّا بَعْدَ حَلِّ دَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَحَلَّ أَلْفٌ مِنْهَا فَطَلَبَ صَاحِبُهَا مِنْ الْقَاضِي بَيْعَ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ وَيُعْطِيهِ ثُلُثَ ثَمَنِهِ وَيَضَعُ الثُّلُثَيْنِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْآخَرَيْنِ فِي يَدِ الْمَوْلَى حَتَّى يَحُلَّ دَيْنُهُمَا فَإِذَا حَلَّ دَيْنٌ آخَرُ أَعْطَى صَاحِبَهُ حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ ثُلُثَ الثَّمَنِ فَإِذَا حَلَّ الثَّالِثُ أَعْطَاهُ الثُّلُثَ الْبَاقِيَ فَإِنْ تَوِيَ الثُّلُثُ الْبَاقِي عَلَى الْمَوْلَى رَجَعَ الثَّالِثُ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ فَيَأْخُذُ مِنْهُمَا ثُلُثَ مَا فِي أَيْدِيهِمَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا حِينَ كَانَ الْبَيْعُ مِنْ الْقَاضِي وَكَانَ شَرْطُ سَلَامَةِ الثُّلُثَيْنِ لِلْأَوَّلَيْنِ أَنْ يُسَلِّمَ الثُّلُثَ لِلثَّالِثِ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ كَانَ التَّاوِي مِنْ حُقُوقِهِمْ وَالْبَاقِي مَقْسُومٌ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمْ فَرَجَعَ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ بِثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمَا لِيُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ فِي ثَمَنِهِ فَإِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمَا أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا فِي الثَّمَنِ سَوَاءٌ ثُمَّ يَرْجِعَانِ جَمِيعًا عَلَى الْآخَرِ بِثُلُثِ مَا فِي يَدِهِ فَيَقْتَسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ لِيُسَلِّمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الثُّلُثَيْنِ وَيَسْتَوُوا فِي الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِالتَّوَى فَإِنْ لَقِيَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَحْدَهُ أَخَذَ مِنْهُ رُبُعَ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ فِي يَدِهِ نِصْفُ الثُّلُثِ وَفِي يَدِ مَنْ لَقِيَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ وَفِي يَدِ مَنْ لَقِيَهُ الثُّلُثُ فَيَضُمُّ مَا فِي يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ الْبَاقِي فِي يَدِهِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ وَفِي يَدِ هَذَا الْآخَرِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ أَيْضًا فَإِنْ لَقِيَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ الْآخَرُ أَخَذَ مِنْهُمَا تُسْعَ مَا فِي أَيْدِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمْ بِذَلِكَ تَحْصُلُ وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ ذَلِكَ جَعَلْت الثَّمَنَ كُلَّهُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ فَسِهَامُ الثُّلُثَيْنِ ثَابِتَةٌ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمَانِ وَثُلُثَا سَهْمٍ وَاَلَّذِي فِي يَدِ هَذَا الَّذِي لَقِيَهُمَا نِصْفُ الثُّلُثِ سَهْمَانِ وَفِي يَدِ الْآخَرِ سِتَّةٌ فَيَأْخُذُ مِنْهُمَا ثُلُثَيْ سَهْمٍ وَثُلُثَا سَهْمٍ مِنْ سِتَّةٍ يَكُونُ تُسْعُهَا فَيَحْصُلُ لَهُ سَهْمَانِ وَثُلُثَا سَهْمٍ وَبَقِيَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمَانِ وَثُلُثَا سَهْمٍ.
وَإِذَا قَالَ الْمَأْذُونُ بِأَمْرِ مَوْلَاهُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِرَجُلٍ إنْ مَاتَ فُلَانٌ وَلَمْ يُعْطِكَ أَلْفَكَ الَّتِي عَلَيْهِ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهَا حَتَّى أَدْفَعَهَا إلَيْكَ، ثُمَّ لَحِقَ الْعَبْدَ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ الْقَاضِي فِي دَيْنِهِمْ بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ- يَدْفَعُهَا كُلَّهَا إلَى الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُزَاحِمَ لَهُ فِي الثَّمَنِ فَإِنَّ الْمُزَاحَمَةَ بِاعْتِبَارِ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَمْ يَجِبْ لِلْمَكْفُولِ لَهُ شَيْءٌ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ قَبْلَ شَرْطِهِ وَبِهِ فَارَقَ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ وَتَأْثِيرُ الْأَجَلِ فِي الْمَنْعِ فِي الْمُطَالَبَةِ لَا فِي نَفْيِ أَصْلِ الْوُجُوبِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا قَبْلَ الشَّرْطِ فَإِذَا دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْغَرِيمِ اسْتَوْثَقَ مِنْهُ بِكَفِيلٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَكْفُولِ لَهُ بِعَرْضِ اللُّزُومِ فَإِنَّ سَبَبَهُ وَهُوَ الْكَفَالَةُ مُقَرَّرٌ فَلِتَقَرُّرِ السَّبَبِ يَجِبُ النَّظَرُ لَهُ بِالِاسْتِيثَاقِ فَإِذَا لَزِمَ الْعَبْدَ ضَمَانُ مَا كَفَلَ بِهِ أَخَذَ الْمَكْفُولُ مِنْ الْغَرِيمِ نِصْفَ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ إذَا ثَبَتَ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ فَإِنَّمَا يُحَالُ بِهِ عَلَى سَبَبِهِ وَهُوَ الْكَفَالَةُ؛ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ فِي الصِّحَّةِ كَانَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ دُيُونِ الصِّحَّةِ بِقَدْرِهِ وَهُوَ أَنَّ حَقَّ الْمَكْفُولِ بِقَدْرِهِ وَهُوَ أَنَّ حَقَّ الْمَكْفُولِ لَهُ أَخَذَ سَبَبَهَا مِنْ الدَّيْنِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوُجُوبَ يَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَمِنْ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ السَّبَبَ كَانَ مُتَقَرِّرًا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَتَوَفَّرُ حَظُّهُ عَلَيْهِمَا فَيَقُولُ لِشَبَهِهِ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ يَدْفَعُ الثَّمَنَ كُلَّهُ إلَى الْغَرِيمِ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ دَيْنُ الْكَفَالَةِ بِالدَّيْنِ وَلِشَبَهِهِ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ قُلْنَا إذَا تَحَقَّقَ لُزُومُ دَيْنِ الْكَفَالَةِ رَجَعَ الْمَكْفُولُ لَهُ عَلَى الْغَرِيمِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ.
وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ حَالٌّ فَوَهَبَهُ مَوْلَاهُ لِرَجُلٍ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْغُرَمَاءُ؛ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ بِمَالِيَّةِ الْعَبْدِ مِنْ الْمَوْلَى وَفِي الْهِبَةِ تَفْوِيتُ مَحَلِّ حَقِّهِمْ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِجَازَتِهِمْ فَإِنْ أَجَازُوهَا بَطَلَ دَيْنُهُمْ لَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ سَقَطَ عَنْ ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَلَكِنْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُمْ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يُعْتَقَ؛ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِصُنْعِ الْمَوْلَى وَالْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ حَادِثٌ بَعْدَ الدَّيْنِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِذَلِكَ الدَّيْنِ وَلَكِنْ يَتَأَخَّرُ حَقُّهُمْ فِي الْمُطَالَبَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِانْعِدَامِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ فَإِذَا عَتَقَ اتَّبَعُوهُ بِجَمِيعِ دَيْنِهِمْ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ كُلُّهُ إلَى أَجَلٍ جَازَتْ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِشَيْءٍ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ وَلِلْغُرَمَاءِ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ إذَا حَلَّ دَيْنُهُمْ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِمْ مَحَلَّ حَقِّهِمْ بِتَصَرُّفِهِ فَإِذَا أَخَذُوا الْقِيمَةَ مِنْهُ أَوْ قَضَى بِهَا- الْقَاضِي عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَحَوَّلَ إلَى الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَقَدْ كَانَ السَّبَبُ قَائِمًا عِنْدَ الْقَضَاءِ فَلَا يَتَحَوَّلُ إلَى الْعَبْدِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ فِي التِّجَارَةِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ بِيعَ فِي الدَّيْنِ الْآخَرِ خَاصَّةً لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْمَوْلَى بِتَعَلُّقِ هَذَا الدَّيْنِ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ وَلَا سَبِيلَ لِلْأَوَّلِينَ عَلَى هَذَا الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَحَوَّلَ إلَى الْقِيمَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى فَكَمَا لَا سَبِيلَ لِلْآخَرِينَ عَلَى الْقِيمَةِ إذَا أَخَذَهَا الْأَوَّلُونَ فَكَذَلِكَ لَا سَبِيلَ لِلْأَوَّلِينَ عَلَى الثَّمَنِ وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ بِيعَ فَبُدِئَ بِدَيْنِ الْآخَرِينَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِينَ أَيْضًا فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ حَتَّى يَتَّبِعُوهُ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ حَقَّهُمْ تَحَوَّلَ إلَى الْقِيمَةِ فَلَا يَبْقَى عَلَى الْعَبْدِ فِي حَالِ رِقِّهِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ الْآخَرِينَ كَانَ لِلْأَوَّلِينَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى وَدَيْنُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يُقْضَى مِنْ مِلْكِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ سِوَى ذَلِكَ اقْتَسَمَ هَذَا الْبَاقِيَ الْأَوَّلُونَ وَأَصْحَابُ دَيْنِ الْمَوْلَى تَصَرَّفَ فِيهِ أَصْحَابُ دَيْنِ الْمَوْلَى بِدُيُونِهِمْ الْأَوَّلُونَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى بِقَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ.
وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَالَّةٌ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ إلَى أَجَلٍ فَوَهَبَهُ مَوْلَاهُ لِرَجُلٍ وَسَلَّمَهُ فَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ أَنْ يَرُدَّ الْهِبَةَ؛ لِأَنَّ تَوَجُّهَ الْمُطَالَبَةِ لَهُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ تَمْنَعُ نُفُوذَ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى فَإِنْ أَجَازَهَا جَازَتْ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ وَلَا سَبِيلَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يَحُلَّ دَيْنُهُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ سِوَى دَيْنِهِ عَلَى الْعَبْدِ كَانَتْ الْهِبَةُ صَحِيحَةً فَإِنْ حَلَّ دَيْنُ الْآخَرِ ضَمِنَ الْمَوْلَى قَدْرَ الْقِيمَةِ لَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِلْغَرِيمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ بِإِجَازَةِ الْهِبَةِ أَبْطَلَ حَقَّهُ فِي حَالِ رِقِّ الْعَبْدِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَبْرَأهُ عَنْ دَيْنِهِ وَقَدْ فَوَّتَ الْمَوْلَى عَلَى الْآخَرِ مَحَلَّ حَقِّهِ فَيَضْمَنُ لَهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، وَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ الْحَالِّ لَمْ يُجِزْ الْهِبَةَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْعَبْدِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمَوْلَى نِصْفَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ ثَابِتٌ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ مُتَأَخِّرَةً وَالْقِيمَةُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى الْعَبْدِ كَالثَّمَنِ عِنْدَ بَيْعِ الْقَاضِي إيَّاهُ وَقَدْ بَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ.
لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ إلَّا حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَهَهُنَا أَيْضًا لَا يُسَلِّمُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ إلَّا حِصَّتَهُ مِنْ الْقِيمَةِ، وَذَلِكَ النِّصْفِ فَإِنْ ضَمِنَهُ، ثُمَّ حَضَرَ الْعَبْدُ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ سَقَطَ عَنْ الْعَبْدِ بِوُصُولِ حِصَّتِهِ مِنْ الضَّمَانِ إلَيْهِ وَالدَّيْنُ الْآخَرُ مُؤَجَّلٌ لَا يَمْنَعُ الْهِبَةَ فَإِذَا حَلَّ دَيْنُ الْآخَرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَّبِعَ الْمَوْلَى بِنِصْفِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَحَلَّ حَقِّهِ بِتَصَرُّفِهِ فَإِنْ شَارَكَ الْأَوَّلَ فِيمَا أَخَذَ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ وَجَبَتْ لَهُمَا فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى مُشْتَرَكَةً بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا- يُسَلِّمُ الْمَقْبُوضَ لِلْأَوَّلِ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ لِلْآخَرِ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ كَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْأَوَّلَ فِيمَا أَخَذَ، ثُمَّ يَتَّبِعَانِ الْمَوْلَى بِنِصْفِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ لَمَّا صَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَانَ الْبَاقِي مُشْتَرَكًا أَيْضًا.
وَلَوْ لَمْ يَحُلَّ الدَّيْنُ الثَّانِي حَتَّى رَجَعَ الْمَوْلَى فِي هِبَتِهِ، ثُمَّ حَلَّ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَتَّبِعَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُبَاعَ لَهُ؛ لِأَنَّ تَحَوُّلَ حَقِّهِ إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ أَوْ- بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَهُ بِهَا وَلَمْ يُوجَدْ فَقَدْ عَادَ الْعَبْدُ بِالرُّجُوعِ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْمَوْلَى فَكَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِبَيْعِ حِصَّتِهِ مِنْهُ فِي الدَّيْنِ، وَذَلِكَ نِصْفُهُ وَإِنْ شَاءَ شَارَكَ الْأَوَّلَ فِيمَا أَخَذَ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ وُجُوبَ الْقِيمَةِ لَهُمَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا غَصَبَهُ غَاصِبٌ فَأَبَقَ، ثُمَّ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَاصَمَ الْغَاصِبَ وَضَمَّنَهُ نِصْفَ الْقِيمَةِ، ثُمَّ رَجَعَ الْعَبْدُ كَانَ لِلْآخَرِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ وَإِنْ شَاءَ شَارَكَ الْأَوَّلَ فِيمَا أَخَذَ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ فَإِنْ شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ يُبَاعُ نِصْفُ الْعَبْدِ فِي دَيْنِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ لَمَّا صَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَانَ الْبَاقِي كَذَلِكَ فَيُبَاعُ نِصْفُهُ فِي دَيْنِهِمَا؛ لِأَنَّ فِي هَذَا النِّصْفِ الْحَقَّ بَاقٍ فِي الْعَبْدِ.
وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ اعْوَرَّ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ الْوَاهِبُ ضَمَّنَ الْمَوْلَى رُبُعَ قِيمَتِهِ وَبِيعَ نِصْفُهُ فِي دَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ، وَلَوْ عَادَ الْكُلُّ إلَيْهِ بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ كَانَ يُبَاعُ نِصْفُهُ فِي الدَّيْنِ، وَلَوْ هَلَكَ الْكُلُّ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَانَ الْمَوْلَى ضَامِنًا نِصْفَ قِيمَتِهِ فَالْجُزْءُ يُعْتَبَرُ بِالْكُلِّ وَلِفَوَاتِ النِّصْفِ ضُمِّنَّ الْمَوْلَى رُبُعَ قِيمَتِهِ وَبِعَوْدِ النِّصْفِ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ بِالرُّجُوعِ يُبَاعُ نِصْفُهُ فِي دَيْنِهِ، وَلَوْ اعْوَرَّ بَعْدَ مَا رَجَعَ إلَى الْمَوْلَى لَمْ يَضْمَنْ مِنْ عَوَرِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ بَعْدَ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا فَإِنَّهُ بِالرُّجُوعِ عَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ فَعَوَرُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَهَلَاكِهِ قَبْلَ الْهِبَةِ فَكَذَلِكَ إذَا اعْوَرَّ قُلْنَا لَا يَضْمَنُ الْمَوْلَى شَيْئًا وَلَكِنْ يُبَاعُ نِصْفُهُ أَعْوَرَ فِي دَيْنِهِ.
وَإِذَا كَفَلَ الْمَأْذُونُ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِأَمْرِ مَوْلَاهُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِمْ بَاعَهُ الْمَوْلَى فَلِلْمَكْفُولِ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِمَالِيَّتِهِ مِنْ الْمَوْلَى.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْكَفَالَةِ وَيُبَاعُ لَهُ فِيهِ كَمَا يُبَاعُ فِي سَائِرِ دُيُونِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِنَفْسِ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمَكْفُولِ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِمَالِيَّتِهِ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَا يُطَالِبُ بِبَيْعِهِ فِي هَذِهِ الْكَفَالَةِ فَكَانَتْ الْمَالِيَّةُ خَالِصَ حَقِّ الْمَوْلَى؛ فَلِهَذَا نَفَذَ بَيْعُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ إنَّمَا يَنْقُضُ بَيْعَ الْمَوْلَى لِيَسْتَسْعِيَهُ فِي دَيْنِهِ وَلَا حَقَّ لِصَاحِبِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فِي اسْتِسْعَائِهِ فِي شَيْءٍ وَلَكِنْ يَبِيعُ الْعَبْدَ بِكَفَالَتِهِ حَيْثُ كَانَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِبَيْعِ الْمَوْلَى إيَّاهُ وَهَذَا عَيْبٌ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ بِهِ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ يُحْبَسُ بِهِ وَيُؤْمَرُ بِطَلَبِ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ لِيُسَلِّمَهُ وَفِيهِ حَيْلُولَةٌ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ مَقْصُودِهِ مِنْ الْخِدْمَةِ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ لِأَجْلِهِ كَمَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ رَدِّ الْجَارِيَةِ بِعَيْبِ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ فَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ عَلَى أَنَّهُ كَفِيلٌ بِنَفْسِ الْمَطْلُوبِ إنْ لَمْ يُعْطِ الْمَطْلُوبَ مَا عَلَيْهِ إلَى كَذَا، وَكَذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْبِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ بِشَيْءٍ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْحَالِ فَالْتِزَامُ تَسَلُّمِ النَّفْسِ مِنْهُ كَانَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَهُ فَإِذَا وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي إنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهَا حِينَ اشْتَرَاهُ؛ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ وَقَعَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخِدْمَةِ بِسَبَبٍ كَانَ سَابِقًا عَلَى بَيْعِهِ فَإِنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَكُونُ مُحَالًا بِهِ عَلَى السَّبَبِ وَإِنْ كَأَنْ عَلِمَ بِهَا حِينَ اشْتَرَاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِهَذَا الْعَيْبِ أَبَدًا؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِهِ.
قَالَ: وَالْحُكْمُ فِي بَيْعِ الْمَوْلَى شَيْئًا مِنْ رَقِيقِ الْمَأْذُونِ أَوْ هِبَتِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي الْمَأْذُونِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مُطَالَبَةَ صَاحِبِ الدَّيْنِ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الْكَسْبِ وَالرَّقَبَةِ فَكَمَا أَنَّ فِي الرَّقَبَةِ إذَا انْعَدَمَتْ الْمُطَالَبَةُ لِلتَّأْجِيلِ فِي الدَّيْنِ جُعِلَ فِي حَقِّ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى كَأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ فِي تَصَرُّفِهِ فِي كَسْبِهِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فِي حُكْمِ النُّفُوذِ وَحُكْمِ تَضْمِينِ الْمَوْلَى عِنْدَ حَلِّ الدَّيْنِ وَفِي الْأَصْلِ إشَارَةٌ إلَى مُخَالِفٍ لَهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ وَاسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِشَوَاهِدَ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَعْتَقَ رَقِيقَ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَحُلَّ دَيْنُ الْعَبْدِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يُجَوِّزَ عِتْقَهُ فِي الرَّقِيقِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَكَانَ مُحِيطًا بِرَقَبَتِهِ وَمَا فِي يَدِهِ (أَرَأَيْت) لَوْ أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ حَجَر عَلَيْهِ وَالدَّيْنَ عَلَيْهِ مُؤَجَّلٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الرَّقِيقَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ فَبَيْعُ الْمَوْلَى فِي هَذَا كُلِّهِ جَائِزٌ وَهُوَ ضَامِنٌ لِلْقِيمَةِ إذَا حَلَّ الدَّيْنُ وَقِيلَ الْمُخَالِفُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُجَوِّزُ بَيْعَ الْمَوْلَى كَسْبَ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بِالتَّأْجِيلِ لَا يَنْعَدِمُ وُجُوبُ أَصْلِ الدَّيْنِ وَحَاجَةُ الْمَأْذُونِ إلَى قَضَائِهِ وَحَاجَتُهُ فِي كَسْبِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى فَكَانَ الْمَوْلَى مَمْنُوعًا مِنْ إثْبَاتِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ فِيهِ وَيَجُوزُ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّ تَقَرُّرَ الْعِتْقِ لَا يَسْتَدْعِي الْيَدَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا عَلَى الْعَبْدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا بِكَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ عِتْقِ الْمَوْلَى فِي رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَخْلُفُ عَبْدَهُ فِي كَسْبِهِ خِلَافَةَ الْوَارِثِ الْمُورِثَ وَالدَّيْنُ عَلَى الْمُورِثِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ وَنُفُوذَ عِتْقِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَخِيرِ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ يَمْنَعُ ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي أَوَّلِ الزِّيَادَاتِ فَكَذَلِكَ الدَّيْنُ عَلَى الْعَبْدِ.
فَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِكَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ كَسْبِهِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي كَسْبِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْمَوْلَى يَمْلِكُ كَسْبَهُ حَتَّى يَنْفُذَ عِتْقُهُ فِي رَقَبَتِهِ كَمَا يَمْلِكُ عِتْقَهُ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ بِمَنْزِلَةِ الرَّقَبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ فِيهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى وَإِنَّهُ لَا يُسَلِّمُ لِلْمَوْلَى إلَّا بِشَرْطِ الْفَرَاغِ مِنْ دَيْنِ الْعَبْدِ فَكَمَا أَنَّ قِيَامَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ لَا يُنَافِي مِلْكَ الْمَوْلَى فِي رَقَبَتِهِ فَكَذَلِكَ لَا يُنَافِي مِلْكَهُ فِي كَسْبِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَلَهُ مِلْكٌ مُطْلَقٌ فِي رَقَبَتِهِ فَيَمْلِكُ كَسْبَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَرَقَبَتُهُ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ يَدًا وَقَدْ مَلَكَ بَدَلَ الرَّقَبَةِ وَهُوَ دَيْنُ الْكِتَابَةِ مِنْ وَجْهٍ فَكَذَلِكَ يَمْنَعُ بَقَاءَ مِلْكِهِ فِي رَقَبَتِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ مَالِكًا كَسْبَهُ، فَأَمَّا رَقَبَةُ الْعَبْدِ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ إيَّاهُ فَمَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِخْلَاصَهُ لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُكَاتَبِ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الدَّيْنِ فِي التَّرِكَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَمْلِكُ الْفَاضِلَ عَنْ حَاجَةِ الْمَيِّتِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَشْغُولَ بِالْجِهَازِ وَالْكَفَنِ لَا يَكُونُ مَمْلُوكًا لِلْوَارِثِ فَكَذَلِكَ الْمَشْغُولُ بِالدَّيْنِ وَهَهُنَا مِلْكُ الْمَوْلَى كَسْبَ الْعَبْدِ لَا يَتَعَلَّق بِفَرَاغِهِ مِنْ حَاجَةِ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَتْ سَلَامَتُهُ لَهُ تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ حَاجَتَهُ إلَى النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ فَكَذَلِكَ حَاجَتُهُ إلَى الدَّيْنِ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْمِيرَاثَ بَعْدَ الدَّيْنِ فَحَالُ قِيَامِ الدَّيْنِ كَحَالِ حَيَاةِ الْمُورِثِ فِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَوْ أَنَّ الْمِيرَاثَ وَالْحُكْمَ لَا يُسْبَقُ أَوَانُهُ، فَأَمَّا خِلَافَةُ الْمَوْلَى عَبْدَهُ فِي مِلْكِ الْكَسْبِ وَاعْتِبَارُ الرِّقِّ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ لِمِلْكِ الْمَالِ وَالْكَسْبُ مُوجِبُ الْمِلْكِ فِي الْمَكْسُوبِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُكْتَسِبُ مِنْ أَهْلِهِ وَقَعَ الْمِلْكُ لِمَنْ يَخْلُفُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى قَائِمٌ حَالَ قِيَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الْمَوْلَى يَخْلُفُ عَبْدَهُ فِي مِلْكِ الْكَسْبِ خِلَافَ الْوَارِثِ الْمُورِثَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِإِكْسَابِهِ وَسَلَامَتُهُ لَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِفَرَاغِهِ عَنْ حَاجَةِ الْعَبْدِ فَكَمَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمُحِيطَ بِالتَّرِكَةِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ فَكَذَلِكَ الدَّيْنُ الْمُحِيطُ بِالْكَسْبِ وَالرَّقَبَةِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا بِاعْتِبَارِ انْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ لِلْمِلْكِ فِي الْمُكْتَسَبِ فَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ كَالرَّقِيقِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكِيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَالْمَوْتُ يُنَافِي ذَلِكَ كَالرِّقِّ بَلْ أَظْهَرُ فَالرِّقُّ يُنَافِي مَالِكِيَّةَ الْمَالِ دُونَ النِّكَاحِ وَالْمَوْتُ يُنَافِيهِمَا جَمِيعًا، ثُمَّ لِقِيَامِ حَاجَةِ الْمَيِّتِ إلَى قَضَاءِ دُيُونِهِ يُجْعَلُ كَالْمَالِكِ حُكْمًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْوَارِثُ كَسْبَهُ فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لِقِيَامِ حَاجَتِهِ يُجْعَلُ كَالْمَالِكِ حُكْمًا وَهَذِهِ الْحَاجَةُ لَيْسَتْ كَالْحَاجَةِ إلَى الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ فَإِنَّ الرَّقِيقَ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى الْمَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ وَلَيْسَ الْكَسْبُ نَظِيرَ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ يَخْلُفُهُ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ بَلْ كَانَ مَالِكًا لِلرَّقَبَةِ لَا بِالِاكْتِسَابِ مِنْ الْعَبْدِ فَبَقِيَ مِلْكُهُ فِي الرَّقَبَةِ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمُكَاتَبِ فَالْمَوْلَى مَالِكٌ رَقَبَتَهُ حَتَّى يَنْفُذَ مِنْهُ الْعِتْقُ فِي- رَقَبَتِهِ وَتُؤَدَّى بِهِ كَفَّارَتُهُ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ مِلْكَهُ فِي الرَّقَبَةِ مُطْلَقٌ وَمَعَ ذَلِكَ لِقِيَامِ حَاجَتِهِ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى كَسْبَهُ فَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ لَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ وَلَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ.
وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِاسْتِهْلَاكِ أَلْفِ دِرْهَمٍ لِرَجُلٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ حَتَّى يُعْتَقَ فَإِذَا عَتَقَ أَخَذَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَنْ الْإِقْرَارِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَبِإِقْرَارِهِ لَا يَظْهَرُ وُجُوبُ الدَّيْنِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَلَكِنْ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ لَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ فِي حَقِّهِ فَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ ضَمِنَ عَنْهُ رَجُلٌ هَذَا الدَّيْنَ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ أُخِذَ بِهِ الْكَفِيلُ حَالًا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ فِي حَقِّهِ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ فَإِذَا ضَمِنَهُ عَنْهُ رَجُلٌ فَقَدْ ضَمِنَ دَيْنًا وَاجِبًا فَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ عَلَى مُفْلِسٍ إذَا ضَمِنَهُ إنْسَانٌ أُخِذَ بِهِ فِي الْحَالِ لِهَذَا الْمَعْنَى فَإِذَا اشْتَرَاهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ فَأَعْتَقَهُ أَوْ أَمْسَكَهُ بَطَلَ دَيْنُهُ عَنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ بِالْأَقَلِّ مِنْ الثَّمَنِ وَمِمَّا ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ مَعْرُوفًا عَلَى الْعَبْدِ تَحَوَّلَ بِالْبَيْعِ إلَى الثَّمَنِ سَوَاءٌ بِيعَ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَهَذَا الدَّيْنُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْرُوفِ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ فَيُحَوَّلُ إلَى الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَوَّلُ إلَى الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ مِنْ الثَّمَنِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ فَبِقَدْرِ ذَلِكَ يَكُون الْكَفِيلُ مُطَالِبًا وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ سَقَطَ عَنْ الْكَفِيلِ بِسُقُوطِهِ عَنْ الْأَصِيلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِهِ وَلَكِنَّ صَاحِبَهُ وَهَبَهُ مِنْهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ بَطَلَ دَيْنُهُ عَنْ الْعَبْدِ وَعَنْ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هَهُنَا سَقَطَ عَنْ الْأَصِيلِ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَلَمْ يُخَلِّفْ الْعَبْدُ مَحَلًّا آخَرَ يُمْكِنُ تَحْوِيلُ الدَّيْنِ إلَيْهِ وَبَرَاءَةُ الْأَصِيلِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَأَنْ تُوجِبَ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ فَإِنْ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ لَمْ يَعُدْ الدَّيْنُ أَبَدًا وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعُودُ الدَّيْنُ بِرُجُوعِهِ فِي الْهِبَةِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الدَّيْنِ الْمَعْرُوفِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ هَهُنَا إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الزِّيَادَاتِ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الدَّيْنَ بِالْهِبَةِ سَقَطَ عَنْ الْعَبْدِ لَا إلَى بَدَلٍ فَكَانَ كَالسَّاقِطِ عَنْهُ بِالْإِبْرَاءِ وَبَعْدَ الْإِبْرَاءِ لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُ الدَّيْنِ إذَا تَمَّ السُّقُوطُ بِالْقَبُولِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ يَكُونُ مُتَلَاشِيًا وَالْعَوْدُ يُتَصَوَّرُ فِي الْقَائِمِ دُونَ الْمُتَلَاشِي بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ شَيْئًا أَوْ صَالَحَ عَلَى عَيْنٍ فَهَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هُنَاكَ لَمْ يَسْقُطْ وَإِنَّمَا تَحَوَّلَتْ الْمُطَالَبَةُ إلَى الْمُشْتَرِي وَإِلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ، وَكَذَلِكَ الْحَوَالَةُ فَإِنَّ الدَّيْنَ لَا يَسْقُطُ بِهَا وَلَكِنْ يَتَحَوَّلُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِالتَّوَى إلَى الْمُحِيلِ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بِفَسْخِ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ وَتَعُودُ الْعَيْنُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ وَسُقُوطُ الدَّيْنِ كَانَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ فَإِذَا انْفَسَخَ عَادَ الدَّيْنُ كَمَا إذَا سَقَطَ الدَّيْنُ بِالشِّرَاءِ أَوْ الصُّلْحِ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ فَالسَّبَبُ هُنَاكَ غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلْفَسْخِ بَعْدَ تَمَامِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ لِصَبِيٍّ فَوَهَبَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْهُ وَقَبَضَهُ هُوَ أَوْ وَصِيُّهُ سَقَطَ الدَّيْنُ، ثُمَّ إذَا رَجَعَ الْوَاهِبُ لَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَعُودُ الدَّيْنُ كَانَ فِيهِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالصَّبِيِّ وَإِسْقَاطُ دَيْنُهُ مَجَّانًا، وَذَلِكَ مَمْلُوكٌ لِلصَّبِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِعَوْدِ الدَّيْنِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَقَدْ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ سُقُوطِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى زِيَادَةٍ حَادِثَةٍ فِي مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ تَمْنَعُ الْوَاهِبَ مِنْ الرُّجُوعِ وَلَكِنْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هَذِهِ زِيَادَةٌ لَا تُغَيِّرُ صِفَةَ الْعَيْنِ فَتَكُونُ كَزِيَادَةِ السِّعْرِ فَلَا يَمْنَعُ الْوَاهِبَ مِنْ الرُّجُوعِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَقَرَّ عَلَى الْعَبْدِ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا وَالْمُشْتَرِي بِالتَّعَيُّبِ يَصِيرُ قَابِضًا وَلَكِنَّ هَذَا التَّعْيِيبَ لَمَّا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْعَيْنِ لَمْ يُجْعَلْ بِهِ قَابِضًا فَهَذَا مِثْلُهُ وَقَدْ أَمْلَيْنَا فِي أَوَّلِ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ هَذِهِ الْفُصُولَ بِفُرُوعِهَا.
وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْعَبْدِ لِشَرِيكَيْنِ وَبَعْضُهُ حَالٌّ وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ فَوَهَبَهُ الْمَوْلَى لِأَحَدِهِمَا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يَنْقُضَ الْهِبَةَ لِمَكَانِ حَقِّهِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَإِنْ نَقَضَهَا بِيعَ الْعَبْدُ فَاسْتَوْفَى الْهِبَةَ حَقَّهُ مِنْ الثَّمَنِ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِلْمَوْلَى وَلَا شَيْءَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ حِينَ قَبَضَ الْعَبْدَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ فَقَدْ مَلَكَهُ وَإِنْ كَانَ النَّقْضُ مُسْتَحِقًّا لِحَقِّ الْآخَرِ كَالْمَرِيضِ إذَا وَهَبَ عَبْدَهُ وَسَلَّمَهُ صَارَ مِلْكًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِذَا مَلَكَهُ سَقَطَ دَيْنُهُ وَلَا يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ إذْن فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا نَقَضَ الْآخَرُ الْهِبَةَ عَادَ الدَّيْنُ كُلُّهُ إلَى الْعَبْدِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ.
وَلَوْ بَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ أَحَدِهِمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَا دِرْهَمٍ فَأَبْطَلَ الْآخِرُ الْبَيْعَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ بِيعَ لَهُمَا فَاقْتَسَمَا ثَمَنَهُ وَلَمْ يَبْطُلْ مِنْ دَيْنِ الْمُشْتَرِي شَيْءٌ؛ لِأَنَّ بِالْبَيْعِ تَحَوَّلَ حَقُّهُ إلَى الثَّمَنِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ لَا يَسْقُطُ بِهِ دَيْنُهُ وَلَكِنْ يَتَحَوَّلُ إلَى الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ فَلِهَذَا يُبَاعُ الْعَبْدُ هَهُنَا فِي دَيْنِهِمَا بَعْدَ نَقْضِ الْبَيْعِ.
وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ بِأَكْثَرَ فَالثَّمَنُ لِلْمَوْلَى وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَحُلَّ الدَّيْنُ فَيَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْغَرِيمِ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحُلُّ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِالْبَيْعِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ لِلْغَرِيمِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْبَيْعِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ إذَا كَانَ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي بَاشَرَهُ حَتَّى يُحَوِّلَ بِهِ الدَّيْنَ إلَى الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ جَانِيًا فِي حَقِّهِ ضَامِنًا لَهُ شَيْئًا فَإِنْ تَوِيَ الثَّمَنُ فِي يَدِ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ لِلْغَرِيمِ عَلَى الْمَوْلَى سَبِيلٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ جَانِيًا فِي حَقِّ الْغَرِيمِ فَهَلَاكُ الثَّمَنِ فِي يَدِهِ كَهَلَاكِ الْعَبْدِ قَبْلَ الْبَيْعِ.
وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لِآخَرَ مِثْلُ دَيْنِ الْمُشْتَرِي فَحَلَّ ضَمِنَ نِصْفَ الْقِيمَةِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الَّذِي لَمْ يَشْتَرِ الْعَبْدَ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِ جَانٍ بِتَفْوِيتِ مَحَلِّ حَقِّهِ بِالْبَيْعِ فَيَضْمَنُ لَهُ نِصْفَ الْقِيمَةِ ثُمَّ يُسَلِّمُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يُشَارِكُهُ الْمُشْتَرِي فِيهِ كَانَ شَرِيكًا فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْعَبْدِ أَوْ لَمْ يَكُنْ شَرِيكًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ جِنَايَتِهِ وَهُوَ غَيْرُ جَانٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي حِينَ سَاعَدَهُ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حَقٌّ فِي قِيمَتِهِ، وَلَوْ شَارَكَ الْآخَرَ فِيمَا قَبَضَ مِنْ الْقِيمَةِ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَلَكِنْ يَأْخُذُهُ الْمَوْلَى مِنْهُ، ثُمَّ يَأْتِي الشَّرِيكُ الْآخَرُ فَيَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْلَى فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِ الْمُشَارَكَةِ لَهُ فِي الْمَقْبُوضِ.
وَلَوْ أَمَرَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ فَكَفَلَ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّ الْغَرِيمَ إنْ مَاتَ وَلَمْ يَدْفَعْ الْمَالَ إلَى رَبِّ الْمَالِ فَالْعَبْدُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ كَفَالَتَهُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَكَفَالَةِ الْحُرِّ فَإِنْ بَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ أَوْ بِأَقَلَّ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ فَيَصْنَعُ بِهِ مَا بَدَا لَهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ دَيْنِ الْكَفَالَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالشَّرْطِ فَلَا يَكُونُ ثَابِتًا قَبْلَهُ فَإِنْ مَاتَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَالَ كَانَ لِلَّذِي اشْتَرَى الْعَبْدَ مِنْ الْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمَوْلَى فَيَأْخُذَهُ مِنْهُ قَضَاءً مِنْ دَيْنِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَثْبُتُ الْمَالُ عَلَى الْعَبْدِ مُضَافًا إلَى سَبَبِهِ وَيَكُونُ هَذَا فِي مَعْنَى الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فَيَتَحَوَّلُ إلَى الثَّمَنِ بِبَيْعِهِ إيَّاهُ مِنْ الطَّالِبِ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ هَلَكَ مِنْ الْمَوْلَى لَمْ يَضْمَنْ الْمَوْلَى شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَانٍ فِي حَقِّ الْمَكْفُولِ لَهُ حِينَ اشْتَرَى مِنْهُ الْعَبْدَ فَإِقْدَامُهُ عَلَى الشِّرَاءِ يَكُونُ رِضًا بِبَيْعِهِ مُحَالَةً وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُهُ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِدَيْنِهِ وَالْهَالِكُ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ هَلَكَ الثَّمَنُ مِنْ الْمَوْلَى، ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْعَبْدِ عَيْبًا رَدَّهُ إنْ شَاءَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى كَانَ عَامِلًا لَهُ فِي بَيْعِهِ وَقَبْضِ ثَمَنِهِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ حَقَّهُ تَحَوَّلَ إلَى الثَّمَنِ وَكَانَ هُوَ أَحَقَّ لَهُ عِنْدَ وُجُوبِ دَيْنِهِ عَلَى الْعَبْدِ بِوُجُودِ شَرْطِهِ فَلَوْ رَجَعَ عَلَى الْمَوْلَى بِشَيْءٍ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَيْضًا وَهَذَا لَا يَكُونُ مُفْسِدًا وَلَكِنْ يُبَاعُ لَهُ الْعَبْدُ الْمَرْدُودُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْ ثَمَنِهِ الثَّمَنَ الَّذِي نَقَدَ الْبَائِعَ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَخَذَ هَذَا الْفَضْلَ مِنْ دَيْنِهِ الْأَوَّلِ وَإِنْ نَقَصَ الْآخَرُ عَنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ مِنْ النُّقْصَانِ؛ لِمَا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.